الجمعة، 15 نوفمبر 2013

معرفة الخالق



بسم الله الرحمن الرحيم

معرفة العبد ربه تبارك وتعالى هي الاصل الاول فلا يصح لعبد دين الا اذا عرف الله تبارك وتعالى وافرده وحده بالعبادة فليس القصد ان يقر العبد لله تبارك وتعالى بتوحيد الربوبيه وانما القصد حين يتعرف علو الله عز وجل ان يفرده وحده بالعبادة والالوهية-
قال ابن القيم:" فاسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات فهو رب كل شيء وخالقه والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته وكل من في السموات والارض عبد له في قبضته وتحت قهره"
وقال الواسطي: " الرب هو الخالق ابتداءا والمربي غذاءا والغافر انتهاءا"

فكل العالمين قد رباهم الله بنعمه واعدهم لما خلقوا له وامدهم برزقه وهذا كما في قوله تعالى في الحوار الذي دار بين فرعون وموسى حين سأل فرعون نبي الله موسى عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام-"قال فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى".
قال العلامة السعدي: "أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات واعطى كل مخلوق خلقه اللائق به على حسن صنعه من خلقه من كبر جسم وصغره وتوسطه وجميع صفاته "ثم هدى" كل مخلوق الى ما خلق له وهذه الهداية الكاملة المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق تجده يسعى الى ما خلق له من المنافع وفي دفع المضار ..."
ونعم الله عز وجل على الخلق لاتعد ولا تحصى بل الخلق جميعا غارقون في نعمه عاجزون عن شكره عز وجل
و السؤال: كيف يرزقني ربي واعبد سواه؟ نعم.. خيره الينا نازل وشرنا اليه صاعد, يتحبب الينا بالنعم وهو الغني عنا ونتبغض اليه بالمعاصي ونحن افقر شيء اليه.. كيف يرزقنا ويخلقنا ويغرقنا بنعمه ثم نشرك به ولا نخلص له العبادة سبحانه وتعالى





الله عز وجل هو وحده الذي يستحق أن يعبد فهو معبودي الذي لا معبود لي سواه ويجب علي أن اتبرأمن كل معبود سواه وأقول:
اللهم اني أبرأ من الثقة الا بك وأبرأ من الأمل الا فيك وأبرأ من التسليم الا لك وأبرأ من الذل الا في طاعتك وابرأ من الرهبة الا لجلالك العظيم وأبرأ من الوقوف الا على بابك أنت.
فلنفرد الله سبحانه وتعالى بالعبادة فهو معبودنا ولا معبود لنا سواه والدليل قوله تعالى:"الحمد لله رب العالمين"
فهو رب العالمين مالكهم ورازقهم وصاحب الفضل عليهم والمتفضل عليهم بنعمه , له الحمد كله وله الثناء كله ولا يستحق ان يعبد الا اياه: "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وانا اول المسلمين".

*الاستدلال على الله تعالى بآياته ومخلوقاته_والآية هي العلامة_ والآيات نوعان:
1.آيات كونية.
2.آيات شرعية.

*فالآيات الكونية هي الشمس والقمر والنجوم والشجر... وما اكثر هذه الآيات.
والآيات الشرعية هي ما أوحى الله الى أنبيائه ورسله فحينئذ فالله عز وجل يعرف بآياته الكونية وهي المخلوقات العظيمة وما فيها من عجائب الصنعة وبالغ الحكمة وكذلك بعرف بآياته الشرعية وما فيها من العدل والاشتمال على المصالح ودفع المفاسد.
والآيات الكونية كثيرة:
انظر الى هذا الكون العظيم من حولنا انظر الى السماء وارتفاعها والى الأرض واتساعها والى الجبال وأثقالها والى الافلاك ودورانها والى البحار وأمواجها والى كل ماهو متحرك وكل ما هو ساكن.. والله ان الكل يقر بتوحيد الله الا من كفر من الثقلين المكلفين _ الإنس والجن_ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالكون كله يسبح والكون كله يوحد قال تعالى:
"تسبح له السموات والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا"
وما أكثر الآيات في كتاب الله تبارك وتعالى_ التي تدل العبد وتعرفه على الحق سبحانه وتعالى.. يقول الله عز وجل:إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأ ٌلي الألباب"فجعل الله المخلوقات آيات كريمة تدل عليه تبارك وتعالى: " لآيات لأٌلي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض..."
وبعد هذا التفكير حتما لا بد أن يصلوا إلى هذه النتيجة إن كانوا من أٌلي الألباب : أي من أصحاب العقول السليمة. حينئذ سيرددون بحب لله وخوف وخشوع:
"ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار".

 وهذا رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك يقول:
"لقد توصلنا بعد البحث العلمي والتجربة : أن الاجرام السماوية ما وضعت في الكون عشوائية أو مصادفة وإنما وضعت بحسبان , فلو أن الشمس تركت مدارها إلى أعلى قليلا لتجمد كل حي على ظهر الأرض، ولو أن الشمس تركت مدارها إلى أسفل قليلا لاحترق كل حي على ظهر الأرض ومات أهل الأرض غرقا أو عطشا "

وصدق الله إذ يقول :" الشمس والقمر بحسبان ".
وقال تعالى: "إنا كل شيء خلقناه بقدر".
فالله سبحانه يذكرنا بتوحيد الربوبية ليلفت الفطر السوية والقلوب التقية والعقول التقية والعقول النقية للإقرار بتوحيد  الألوهية .
انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة
كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة
ابحث وقل من ذا الذي يخرج منها الثمرة
ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة
ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة

لذا يلفت ربنا أنظارنا لنتدبر ولنتفكر ولنتعرف عليه قال تعالى :
"وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
ويقول الله تعالى:"يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك؛في أي صورة ما شاء ركبك"
فلو نظرت الى أي شيء في الكون لتعرفت على الخالق سبحانه وتعالى.
      ففي كل شيء له آية                تدل على أنه الواحد
ورحم الله من قال:
الشمس والبدر من آثار قدرته          والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجده            والموج كبره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصم قدسه      والنحل يهتف حمدا في خلاياه.

والرب هو المعبود سبحانه وتعالى.
قال تعالى :"يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون..."
وهذا الاستدلال بآيات الله ومخلوقاته الغاية منه :أن تفرده سبحانه وتعالى بالعبادة؛فالخالق لكل هذه الأشياء؛المدبر لهذا الكون بهذا بهذا الاحكام والاتقان والابداع هو وحده الذي يستحق أن يعبد فالرب هو المعبود سبحانه وتعالى .
*لقد خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون من السماء الى الأرض وجعل الأرض فراشا ساكنة آمنة مطمئنة ؛ثبتها وأرساها بالجبال الراسيات ؛وأمدها بالنعم التي لا تعد ولا تحصى وزينها بالأنهار والبحار؛والأشجار والورد والزهور وأودعها من الكنوز والنعم ما لا يحصيه الا الله؛وأنزل لكم من السماء ماء ورفع فوقكم السماء بغير عمد ترونها فهل من العقل بعد هذا كله أن تشركوا معه غيره بالعبادة ؟!وأن تصرفوا العبادة بأي جزئية من جزئياتها أو صورة من صورها لغيره تبارك وتعالى؟!
فالرب هو المعبود والذي خلق ورزق ودبر أمر هذا الكون هو الذي يستحق أن يعبد دون أحد .
وهذا قوله تعالى :نداء عام لجميع الناس على وجه الأرض :
"يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون..."










الله الخالق :

·       الادلة العقلية على ان الله هو الخالق
استدل على ذلك الامام احمد بالبيضة فقال "ههنا حصن حصين املس_يقصد البيضة , ليس له باب ولا منفذ ظاهره كالفضة البيضاء وباطنه كالذهبالابريز فبينما هو كذلك اذ انصدع جداره مخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح ....
أاله مع الله يفعل هذا ؟؟؟

وقد استدل الشافعي بورقة التوت ، فقال :"ورقة التوت تاكلها الغزالة فتعطينا مسكاً وتأكلها دودة القز فتعطينا حريراً وتأكلها النحلة فتعطينا عسلاً، وتأكلها الشاه والبقر والانعام فتعطينا لبناَ ولحماًوتخرجه بعراً"
فلو كانت الامور تسير بالصدفة كما يقولون لكانت عصارة الطعام الواحد واحدة ،فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .

أما بو حنيفة فقد استدل استدلالاً عقلياً جميلا حين جاءه بعض الزنادقة والملحدين ،وقالوا :"ما الدليل على خلق الله تبارك وتعالى للكون؟ فقال دعوني فاني مفكر في امر قد شغلني واخرني عنكم ،قالوا وما هو :"قال :كنت على الشاطيء الاخر ،فلم اجد مركباًلاركبه لآتي اليكم ، وفجأة وجدت الاشجار على الشاطيْ تقطع دون ان يقطعها نجار او صانع نظرت فرأيت هذه الالواح تنسق وصارت سفينة دون ان يصنعها صانع ثم جاءت هذه السفينة وشقت هذه الامواج المتلاطمة دون ان يقودها ربان"
فنظر بعضهم الى بعض وقالوا:هذا كلام لا يقوله عاقل على وجه الارض.
قال:"سبحان الله تستكثرون هذا وتستنكرونه وهذا العالم العلوي
والسفلي تنكرون ان له خالقاً خلقه؟).فبهت القوم واسلموا.

و قال شيخ الاسلام رحمه الله تعالى:
" و من المعلوم بالضرورة أن الحادث بعد عدمه لا بد له من محدث و هذه قضية ضرورية و معلومة بالفطرة حتى عند الصبيان فإن الصبي لو ضربه ضارب و هو غافل لا يبصر لقال من ضربني؟ فإن قيل له : فلان ضربك بكى حتى يضرب ضاربه فكان في فطرته الاقرار بالصانع و بالشرع مبناه على العدل و لهذا قال الله تعالى:
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ }الطور35



الله هو الرزاق
ما معنى الرزق؟ و هل هو مقصور على الرزق المادي فحسب؟ قال ابن منظور في لسان العرب : " الرزق بالكد هو ما ينتفع به و هو العطاء".
و قال الجرجاني :" و الرزق الحسن هو ما يصل الى صاحبه بلا كد في طلبه .... و قيل : ما وجد غير مرتقب و لا محتسب و لا  مكتسب."
فكثير من الناس يظن أن الرزق مال فحسب ! كلا!!!! فالرزق اوسع مدلولا من المال فالايمان رزق و حب آل البيت رزق و العلم رزق و الحلم رزق و حسن الخلق رزق و الأدب رزق و الزرجة الصالحة رزق و الولد الصالح رزق و المال رزق و كل هذا من رزق الرازق ذو القوة المتين.
قال الله تعالى :
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }هود6
{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }فاطر3
{وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }الذاريات22
كيف و أموالنا و أرزاقنا في الارض؟ أراد الله عز و جل أن يلفت العقول الزكية و القلوب التقية و الفطرة السوية الى ان الرزق في السماء بيد الله الخالق عز و جل  خالق السماء و الارض الذي تكفل بأرزاق الخلق و أرزاق العباد.
أرأيت هذه الصيغ التوكيدية المتعددة:
{فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ} و هذا قسم من الباري ...
ثم أكد ذلك بقوله : {إِنَّهُ لَحَقٌّ} ..... ب لام التوكيد
{مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}... و لقد سمع أعرابي هذه الآية فقال كلمات رقيقة جميلة جدا .. صاح و قال: يا سبحان الله! من الذي أغضب الجليل حتى يقسم ؟! ألم يصدقوه في قوله حتى أقسم؟!!
ما أحوج الناس الى الثقة في هذا القسم و الى اليقين في الرزاق ذو القوة الكتين.
لو علم اهل الارض ان الرزق بيد الله سبحانه و تعالى و انه لا  تستطيع قوة على وجه الارض أن تحول بينك و بين رزق قسمه الله تعالى لك ما نافقت احدا و ما تملقت لاحد لأن قلب من ترائي و تنافق بيد من عصيت!!!

قيل لحاتم الأصم:"كيف حققت التوكل؟قال:بأربعة أشياء قالوا : ما هي؟ قال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأن قلبي و علمت ان الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله و علمت ان عملي لا يتقنه غيري فاشتغلت به و علمت ان الله مطلع علي فاستحييت ان يراني على معصية".

فهل تضيع الصلاة بعد ذلك من اجل الرزق؟ و هل تضيع الخشوع و الخضوع و الذل و الاستسلام لله من اجل الرزق؟ بل و تفرط في العبودية التي من اجلها خلقت من اجل الرزق؟ فرزقك بيد الله بل لقد كتب الله رزقك و أنت في بطن أمك بخمسين الف سنة كما ورد في صحيح مسلم...
قال صلى الله عليه و سلم:"كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السماوات و الارض بخمسين الف سنة..قال : و عرشه على الماء".
قال عز و جل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{58} الذاريات
ما اجمل القرآن و أعظمه!!!! فمع قضية العبادة تأتي قضية الرزق لأن كثيرا من الناس يظن ان العبادة ستضيع الرزق و ستشغله عنه.

فرزقك مقدر و مكتوب فلا تنشغل بقضية الرزق فإن الله عز و جل قد قسم رزقك فما عليك الا ان تأخذ بالاسباب و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول:"لو انكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير تغدوا خماصا و تروح بطانا".
اي تخرج في الصباح الباكر بطونها فارغة و ترجع في وقت الروحة و قد رزقها الله تبارك و تعالى الذي تكفل بأرزاق المخلوقات كلها في هذه الدنيا.. فما عليك الا أن تأخذ بالأسباب و ليس معنى هذا أن تتواكل على الله...
فالصواب أن يأخذ العبد بالأسباب و قلبه معلق بمسبب الاسباب.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق