الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

من صور الإعجاز الهندسي في القرآن

من صور الإعجاز الهندسي في القرآن 

--------------------------------------------------------------------------------

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

(
أَفَمَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى َتقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مّنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ وَالّلهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ). التوبة، آية 109

تأتي الآية استطرادا للحديث عن مسجد الضرار الذي أسسه المنافقيون في المدينة بغرض إيقاع التفريق بين المؤمنين وتحقيق الضرر والفتنة. والبناء الذي أسس وإن كان مسجدا. كغيره من المساجد. إلا أن أساس بنائه والغرض والنية من إقامته لا يخفى منها خبث المقصد وسوء النية.
وقد جمعت الآية في تصوير فني رائع بين المعقول والمحسوس، وشبهت المعنوي المفهوم بالمادي الملموس، فمن أسس بنيانه بغرض ونية النفاق والكفر، كمن وضع اساس مبناه على شفا جرف هار، والنتيجة هي الانهيار المفاجئ والسريع للجرف والمبنى معا.
وفي الآية إشارات هندسية إلى أساسات المباني وطبيعة البناء التي تحكم درجة صمود البنيان ومتانته أو تؤدي إلى إنهاياره، وتضمنت عدة إشارات تمس جانبا من علم ميكانيكا التربة والأساسات، في الهندسة المدنية والانشائية، وبينت الآية وجها من أوجه الإعجاز الهندسي في القرآن الكريم يمكن استنباطه من المفاهيم والاشارات الهندسية التالية التي وردت في نص الآية:

تناولت الآية عدة عوامل ذات تأثير فعال ومباشر في تأسيس أساسات المنشآت؛ فلفظة ( أساس) معناها في اللغة أصل كل شيء وأساس البناء مبتدؤه. وفي الهندسة: التأسيس والأساس هو العنصر الانشائي الذي يستخدم لنقل الأحمال المؤثرة من البنيان إلى التربة أوالأرض.
وعند ذكر التأسيس والأساس...أسس بنيانه...) لا بد أن تكون هناك أحمال ناشئة من البنيان تستلزم انشاء أساسات لها، وتستلزم اختيار نوع مادة الأساسات طبقا لذلك. فعامل الأحمال المؤثر مأخوذ في العتبار أيضا.
ولفظة (على) في قوله : (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ)، لها معنيان هندسيان.
أحدهما يفيد أن نوع الأساس المختار هو الأساسات السطحية Shallow Foundation وليست الأساسات العميقة 
Deep Foundation
لأنه لو كانت الأساسات عميقة لكان التعبير المناسب هو (في شفا) وليس (على شفا) فعامل نوع التأسيس ملحوظ ومأخوذ في الاعتبار.
هذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية الكريمة حيث يكون الانهيار مؤكدا عندما يكون الأساس سطحيا وليس عميقا.
وثانيهما أن تفيد بعمق التأسيس، فلفظة ( على ) أفادت أن الأساس على السطح أي أن عمق الأساس يساوي الصفر.
فلو أن الأساس على عمق من سطح الأرض لكان التعبير المناسب مثلا هو (بداخل شفا) فعامل عمق التأسيس مأخوذ بالاعتبار.
وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع معنى الآية حيث يكون الانهيار مؤكدا حين يكون الأساس سطحيا وعلى سطح الأرض مباشرة، لأنه إذا كان الأساس سطحيا، وكان على عمق من سطح الأرض قد لا يحدث انهيار.
ولفظة (شفا) معناها في اللغة حافة، وفي الهندسة لها مدلول يفيد بأنها المنطقة التي تبدأ من حافة الجرف وحتى نقطة بدأ التصدع في الجرف والذي يحدث عندها شكل الانهيار نتيجة ميل طبقة الجرف، فعامل بعد التأسيس عن حافة الجرف مأخوذ بالاعتبار.
وهذا المفهوم الهندسي يتطابق مع مفهوم الآية؛ فحتى يكون الانهيار مؤكدا لابد أن يكون التأسيس داخل منطقة الشفا، لأنه لو بعد عنها قد لا يحدث انهيار.
ولفظة (جرف ) في اللغة تعني (بئر) أو (حفرة)، وفي الهندسة: الفجوة من الأرض قد تنشأ بفعل السيول، وبالتالي لابد أن نأخذ بالاعتبار تأثير المياه على الأساسات، وعلى تربة التأسيس.
وقد تنشأ هذه الفجوة بفعل عوامل التعرية، فلابد أن نأخذ في الاعتبار شكل جوانب الجرف ودرجة ميلها أي زاوية ميل الجرف، وتأثير الإجهادات على حوافها، وهذا المفهوم الهندسي يتطابف مع معنى الآية؛ لأنه لكي يكون الانهيار مؤكدا لابد أن يكون للجرف حافة وأن يكون التأسيس عليها.
لقد تضمنت هذه الآية الكريمة الإشارة إلى ثمانية عوامل، تمثل معايير أساسية في تأسيس الأساسات وهي:
1.
نوع الأحمال المؤثرة
2.
نوع مادة الأساسات
3.
نوع التأسيس (سطحي/ عميق)
4.
عمق التأسيس عن سطح الأرض
5.
بُعد التأسيس عن الحافة
6.
تأثير المياه على تربة التأسيس، وعلى الأساسات نفسها.
7.
زاوية ميل التربة
8.
نوع تربة التأسيس
ومن هذه المعايير يمكننا إثارة نقاط بحثية ودراسية جديدة تتعلق بالآية الكريمة، أو تأكيد ما هو معروف من مفاهيم.



منقول من مجلة الإعجاز العلمي/ العدد 17.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق